اللغة العربية
أين يكمن السر...؟!
أ. فاطمة الخراز
لا شّك أن سبب تميّز الانسان عن سائر المخلوقات ما منّ اللّه به عليه من البيان و القدرة على التعبير عمّا يختلج نفسه من المعاني في قوالب الالفاظ.
و لم يقف التميّز هنا فحسب!
بل كان هذا مستصحبا بين شعوب الارض فما اللغات إلا تعبيرًا لتلك المعاني المكنونة في نفوس أصحابها يخلدونها بما تسعفهم قوالب الالفاظ في لغتهم.
و لا عجب ! أن حظ اللغة العربية هو الأوفر و الأكمل من قوة البيان و سعة الالفاظ و تفاوتها في العمق و التأثير بحسب استعمال المتكلم لها.
و أظن أنك - أيها القارئ/ة الكريم/ة -
توافقون على ذالك و لا أدّل عليه من تخليد المعّلقات - و أصحابها - و سوق عكاظ الذي كان يتبارى فيه الخطباء و الشعراء حتى وصلوا القمة و الذروة في قوة البيان و ايجاز الالفاظ مع تفاوتهم.
و نتساءل ما سر هذا التفاضل بينهم؟!
ما الذي جعل شعر عنترة بهذه القوة و الرصانة؟!
و شعر الأعشى حتى لُقب بصناجة العرب - من قوة تأثير شعره على سامعيه مثلها-؟!
و الخنساء و امرؤ القيس و زهير الى آخرهم؟!
فإن قلنا هي الفصاحة أو البلاغة و ألوانها من بديع و جناس و بيان و غيرها نكون قد اختزلنا جانبا كبيرًا - اوسع و ارحب -فيها ، بل هي وسيلة و قوالب تؤدي المعنى.
و لذا كان وقع كلام رب العالمين على العرب في الصدر الأول ليس كغيرهم ممن بعدهم وهلم جرّا.
و علموا يقينًا أنه كلام اللّه العلي العظيم
و هذه شهادة الوليد بن المغيرة أعرفهم بشعر العرب فقال : فو الله ما هو بشعر، و لا سحر، ولا بهمز من الجنون، وإنّ قوله لمن كلام الله.
و عدلوا إلى محاربة رسوله بالسيف و السنان عن اللسان - وهم أهله - لأنه لا يمكن مجاراته و الإتيان بمثله فهو ممن كَمُلَ في ذاته و أسمائه و صفاته و فضل كلامه كفضله على خلقه .
و أيضا اذا وقفنا على جوامع كلم النبي الكريم انقدنا لنفس النتيجة.
فالسر في تفاضل الكلام هو قوة البيان التي تكمن في نفس المتكلم - أعني عن البشر -و أشار إليها عبد القاهر الجرجاني في دلائل الاعجاز بل هي موضوع كتابه.
فالمفاضلة بينهما كالناطق و الأبكم و العيّي.
و كلما ضعُف العلم بعلوم العربية ضعُف تلمس السر و الاحساس به!
فالمعاني الحية القوية في نفس المتكلم تخدمها القوالب المنتقاة بعناية و لا عكس!
و كما قيل : السيف بضاربه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق