بدون الوان // حمدي صلاح الدين
"الصحافة تحمي المجتمع من الشرور و المفاسد، حسناً فعلت نقابة الصحفيين السودانيين "
مهنة الصحافة مهنة رسالية يتقيد ممتهنها بعقد قوي جدا من المبادىء الأساسية تسمى اصطلاحا ب"اخلاقيات مهنة الصحافة" و هذه الاخلاقيات مستمدة من معاهدتين امميتين و قرار أممي و اعلان مباديء أممي وقعت عليها قرابة ال200 دولة.
و هذا العقد الأخلاقي ينظم طريقة عمل من يمتهن هذه المهنة لأن الصحافة مهنة حساسة فهي تعمل على تبصير الناس و تنويرهم و تعمل على تشكيل الرأي العام لذلك كان العقد الأخلاقي للمهنة دقيقا جدا.
مثلا، من مباديء اخلاقيات مهنة الصحافة حماية المجتمع من الشرور و المفاسد ، كشف انتهاكات الحريات و حقوق الإنسان، عدم إثارة البلبلة بالنشر السالب، التقيد بنقل الحقائق مجردة "الحياد في التناول و التغطيات".
المصداقية و الحياد مبدأن أساسيان في العمل الصحفي فليس من أدوار الصحفي التحشيد او التحشيد المضاد او الدعوة إلى الحرب و القتل و الدمار فهذه أدوار ليست من صميم مهام الصحفي و ان استخدمها الصحفي يكون قد خرق اخلاقيات و شرف المهنة.
العالمان جيك لينش وآنابيل ماكغولدريك يعرّفان «صحافة السلام»، بأنها «تلك حيث وعندما ينتقي المحررون والمراسلون ما تجب الكتابة عنه، وكيفية ذلك، ما يخلق فرصاً للمجتمع ككل للنظر في الأمور وتقييمها، وتجنب اتخاذ ردود فعل عنيفة تجاه الصراعات، وذلك اعتماداً على تحليل النزاعات لتحديث مفاهيم التوازن والعدالة والدقة في إعداد التقارير». "الشرق الاوسط".
إلا أن «مركز صحافة السلام العالمي» في جامعة بارك بولاية ميزوري الأميركية عمل على توسيع تعريف «لينش - ماكغولدريك»، لـ«صحافة السلام»، فجعله «ممارسة يتخذ فيها المحررون والمراسلون خيارات تعمل على تحسين احتمالات السلام». وهذه الاختيارات، بما في ذلك كيفية صياغة القصص واختيار الكلمات المستخدمة بعناية، «تخلق جواً يفضي إلى السلام ويدعم مبادرات السلام وصانعيها، من دون المساس بالمبادئ الأساسية للصحافة الجيدة، حيث تمنح صحافة السلام صانعي السلام صوتاً، وتجعل مبادرات السلام وحلول اللاعنف أكثر وضوحاً وقابلية للتطبيق».
و تعتمد «صحافة السلام» - كما شرح يونغبلود - على الأفكار التي وضعها الأكاديمي النرويجي يوهان غالتونغ، حيث «يسعى صحافيو السلام إلى تسليط الضوء على الأفراد والمبادرات التي تسعى إلى خلق هذه الظروف المتناغمة، وقيادة حوارات عامة بناءة حول القضايا المتعلقة بالعدالة والإنصاف». ومن ثم أوضح: «هناك عدة تعريفات لصحافة السلام، ثم إن نهج صحافة السلام يمكن استخدامه لتوجيه التقارير حول أي نوع من النزاع، سواءً كان دينياً أو عرقياً أو على الموارد، وهو لا يهتم فقط بالحروب والعنف». واستطرد ليقول: «تقليدياً تم تعريف السلام باعتباره غياب الصراع أو العنف». لكن غالتونغ- الذي يعد «الأب المؤسس لدراسات السلام» - يفرّق بين نوعين منه؛ الأول إيجابي والثاني سلبي، حيث «يعني السلام السلبي غياب الصراع، في حين أن الإيجابي يتكون من الظروف التي يمكن أن تزدهر فيها العدالة والإنصاف والانسجام».
المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، تناولت حرية الرأي والتعبير " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".
المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، تناولت، حرية الرأي والتعبير أيضا " لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود.".
القرار رقم 110 لسنة 1947م يجرم "الدعاية التي تستهدف إثارة أو تشجيع، أو يحتمل أن تثير أو تشجع، أي تهديد للسلم أو خرق للسلم أو أي عمل من أعمال العدوان".
و تجد في كل المواثيق الاممية حرية النشر و حرية التعبير ليست مطلقة بل مقيدة، مثلا في عدد من مباديء حرية التعبير و حرية النشر "عدم التعرض لعرق او دين او َمذهب او جنس او اقلية " ، "عدم إثارة البلبلة بين الشعوب " و "عدم المبالغة عند التعرض للظواهر السالبة " و كلها قيود على حرية التعبير لان الضرر من نشرها أكبر من الفائدة.
و على النقيض تماما العالم يرفض إعلام الحرب غير المتقيد باخلاقيات العمل الصحفي و مثال ذلك الجزاء الذي ناله الصحفي الرواندي حسن نگـِزى المحكوم بالسجن 35 عاما فالرواندي حسن بكزي عرف بنشره للپروپاقندا المعادية للتوتسي والداعية لتفوق الهوتو في مجلته، كانگورا، التي اسسها عام 1990م و ترأس تحريرها.
عام 1993، أصبح نگـِزى مساهم ومراسل راديو وتلفزيون التلال الألف الحرة (RTLM)، التي كانت إلى حد كبير مكافئة لراديو كانگورا. ظهر نگـِزى على تلك المحطة في حوالي ثمانية لقاءات و أثناء الإبادة الجماعية الرواندية، أمد نگـِزى راديو وتلفزيون التلال الألف الحرة بأسماء أشخاص ليتم قتلهم في محافظته، وتم نقل عملية قتلهم على الهواء. أجرت راديو وتلفزيون التلال الألف الحرة وراديو رواندا عدة لقاءات مع نگـِزى في الفترة من أبريل حتى يونيو 1994، وفي تلك اللقاءات دعا إلى إبادة التوتسي ودعا الهوتو إلى معارضة الحكومة.
في الوقت نفسه، نشرت كانگورا قوائم ليتم إبادتهم من قبل الجيش ومليشيا إنتراهاموى وإمپوزاموگامبي أثناء الإبادة الجماعية.
ويزعم أن نگـِزى قد أشرف بنفسه وشارك في عمليات التعذيب، الإغتصاب الجماعي، والقتل في مسقط رأسه بمحافظة گيسني. وكان كذلك منظماً لمليشيا إمپوزاموگامبي.
هرب نگـِزى إلى رواندا في يونيو 1994 بعد سقوط البلاد في أيدي الجبهة الوطنية الرواندية. اعتقل نگـِزى في ممبسا، كينيا في 18 يوليو 1997، وحُكم عليه بالسجن المؤبد عام 2003، من قبل المحكمة الجنائية الدولية لرواندا. عام 2007، نظرت دائرة الاستئناف التابعة للمحكمة في بعض من أدلة إدانته، لكن الدوائر الأخرى صدقت على الحكم. كما خُففت العقوبة من السجن المؤبد إلى 35 عام.
في 3 ديسمبر 2008 ذهب إلى مالي ليقضي فترة عقوبته.
للصحافة دور مبدئي في تعزيز السلم، في تقرير سابق نشرته في صحيفة الجريدة 2023م عن تجربة جنوب أفريقيا في تعزيز الانتقال و نبذ العنف و العنصرية و القبلية، قال عضو البرلمان الجنوب أفريقي السابق، محمد بابا، احد مهندسي الانتقال في جنوب أفريقيا : اعتمدنا على رباعية الصحافة، المؤسسات الدينية ، أساتذة الجامعات و منظومات المجتمع المدني في رفع الوعي فهذه المؤسسات الأربعة لها خصوصية و احترام عند الشعوب في كل العالم، اعتمدنا على هذه المؤسسات في توعية الشعب بضرورة اعلاء قيمة "الوطن" على القبيلة و الاثنية و الهوية و نجحت جنوب أفريقيا في تشكيل رأي عام ضد العنف و التمييز بفضل هذه المؤسسات و ما لها من خصوصية عند المجتمعات.
#اتحاد_مغردي_السودان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق