اعلان اسفل القائمة العلوية

اخر الاخبار

23 يوليو 2023

المنسية (4_50)

 بدون الوان// حمدي صلاح الدين


سلسلة المنسية 


"المنسية 4_50" 


بدأت حاجة العازة تحضيراتها لتخريج ابنها احمد الذي اجتاز امتحانات السنة النهائية و سيتخرج مهندساً زراعياً.


 بدأت صناعة الخبائز مع حريم الجبنة وباشراف اميمة ابنتها الكبري. الفرحة لم تكن تسعها. هاهي ذي تري سنين الضنك والعذاب والتعب تزهر ورداً.


كانت حاجة العازة تشعر ان رأسها مرفوعة والطريفي المدغمس يناديها (ام الباشمهندس).


 زملاء احمد تواصلوا معها عبر الهاتف في دكان الطريفي مهنئين مباركين نجاح و تفوق احمد. 


كانت تدندن طوال اليوم برائعة عبدالرحيم أرقى : 


برضي منك ما بقصر بحفر أديك المعايا.. 


كان ده كلو كمان شويه بتلقي في دهبي الكفاية.. 


اصلي من سيتو ناذرا يبقى لي أيام قسايا.. 


داخرا لي الزمن البعاند ولي سعادتك ياعشايا..


انت من تبيت صغير راسي مابتحتاج وصايا.. 


ما حصل خيبت ظني ولا فشل فيك زين غنايا.. 


كلنكيت لازال في مربع احزان وفاة امه (ست الدار) لكن وقفة احمد وحاجة العازة القوية معه جعلته يتجاوز كثيراً وبدأ في تلبية احتياجات التخريج من حجز الحافلات لنقل الاهل والاقارب من المنسية الي الخرطوم والاشراف علي كل مستلزمات السوق للحريم حتي ينجزن الخبائز والحلوي. كل المنسية كانت خلية نحل لأكثر من شهر احتفاءا بالباشمهندس احمد فحاجه العازة صاحبة حضور طاغي و علاقات ممتدة في المنسية. 


حاجة العازة قامت بدعوة ادروب وزوجته واولاهم وكذا استاذ ادم واستاذ احمد والشاويش ميانق وعبدالصمد التمرجي وحاج بابكر وحاج الفضل وجيلاني قنصة وشيخ السماني (شيخ الخلوة) والطريفي المدغمس و نساء الجبنة و الخلوة و الجمعية و رفيقات البنبر من البائعات أمام المدارس و أمام كمائن الطوب وكل المنسيه تقريبا لحضور حفل تخريج ابنها في احد اندية بري الضاحية الخرطومية التي تحتضن العديد من صالات المناسبات.  


تحرك ركب مكون من اربع حافلات منذ الثانية عشرة ظهراً الي الخرطوم. وصلوا النادي قبل المغرب بقليل.


مشهد الصالة بزينتها واضوائها الكاشفة يسر الناظرين. رغم التعب والارهاق الا ان الفرح كان يعم الحضور. استاذ احمد واستاذ ادم والطريفي وادروب وعبدالصمد اعدوا هدايا لاحمد وساهموا بباكتات البيبسي والكولا وقدموها للعازة ام احمد التي اغرورقت عيناها بالدموع وهي تتسلم اطنان من البيبسي والكولا و الحلوى المغلفة و الخبائز من رجالات ونساء المنسيه الذين اغرقوها بكرمهم الكبير. هي تستحق فهي تقف في خدمة كل مناسبات اهالي المنسية من الالف للياء.      


 كانت التاية و بت المني بت مساعد والرهيف و اميمة يتناوبن في اطلاق الزغاريد من فينة لأخرى. لم يتوقفن عن اطلاق الزغاريد كل ما مر احمد امامهن.


 احمد نفسه كان محل احترام كل اهالي المنسيه بفهمه العالي ومساعدته لاهالي المنسية ووقوفه مع الحق دائماً وكذا اميمة. 


(والله حاجة العازة ولدت لكن) بت المني بت مساعد للرهيف. (الله يهنيها بي اولادها وبناتها. عاد هي ما تعبت لكن يا بت اخوي. البتعب بلقي. العازة من تصبح لامن تمسي هي بتبيع ولمن ترجع البيت تعبي من صلاة العشاء لا قريب نص الليل. ده غير دق الريحة وعواسة الابري وتعليم العروسات الرقيص. والله السوتو العازة ده رجال مايسوهو. الله يحفظ ليها اولادها ديل بس). 


انطلق صوت من مكبر الصوت ينادي علي الخريجين وظل ينادي وينادي حتي جاء دور احمد فانطلق الصوت مجلجلاً (من مواليد قرية المنسية) هنا انطلقت الزغاريد والتكبيرات والتهليلات. وواصل الصوت (درس المرحلة الاساسية بمدرسة المنسية الاساسية بنين والمرحلة الثانوية بمدرسة المنسية الثانوية. وتخصص في الهندسة الزراعية. كلية الهندسة. جامعة الخرطوم. الخريج احمد عبد المجيد الامام ود ختم). 


كانت العازة قد اوقفها منظمو حفل التخريج عند عتبة سلم الصعود الي المسرح.


عند صعود احمد لاستلام شهادته لم تتمالك نفسها ولم يتمالك هو نفسه. احتضنها ودخلا في موجة بكاء حار. بكاء يحمل شقاء وتعب السنين. جثا احمد علي ركبتيه وقبل قدميها.


تذكر هو مر السنين.. 

وفاة عبدالمجيد الامام ود ختم. . موت شقيقه غرقاً في الدفاع الشعبي .

 وتحمل والدته للمسئولية..

تذكر قهر الحكومة للبائعات الشريفات..

الكم فدان الذين تغولت عليهم المحلية..


هي تتذكر عبدالمجيد الإمام ود ختم ..

ليته كان هنا..

ليحتفل باحمد..

عبد المجيد الذي الجمته السكته بعد احالته للصالح العام. .

تذكرت سنوات البنبر..

برد الشتاء..

حر الهجير..

صوت الرعد..

قلة أدب موظفو المحلية.. 

و طاقية السعف..

تذكرت الصريف..

الغرفة الطين..

و تذكرت اعتداء وداعة العبيط عليها..

تذكرت هيجان حاج بابكر في وجهها..

سوء حاج الفضل وقطعه لامداد المياه باستمرار عن منزلها.. ايييييه يازمن.

 دموع انهمرت شلالات في امسية فرح..

 تعب الغالبي.. 

و فرح الغلابي..


 فسقطت حاجة العازة مغشياً عليها..

لم يتحمل قلبها كل هذا الشريط المر من الذكريات..

سقطت من فرط الانفعال.. 

و ألم الذكريات المرة ..

سقطت شامخة فالام لا تسقط.. 

ولا البلاد.. 


قليل من كولونيا واستراحة لدقائق..

اعادت حاجة العازة الي الحياة.. 

وهي لازالت في موجة بكاء. . لحظات عصية علي الجميع..

من ان يتحكموا في مشاعرهم. . 

ترابط اهل المنسية..

جعل احمد ابن كل واحد منهم.. 

والعازة ام كل واحد منهم..


احمد نفسه سقط في اختبار الصمود..


فلم تكف دمعته عن النزول حتي لملمة الكراسي وركوب الحافلات استعدادا لرحلة العودة.. 


موجة بكاء حار انتقلت الي المدرجات حيث استاذ ادم واستاذ احمد وادروب وكل من شهد علي كفاح امرأة اسمها حاجة العازة كافحت حتي اوصلت ابنها هذه المرحلة (مرتبة الشرف الاولي). 


استاذ ادم اقوي شخصية في المنسية كلها. طوال سبعة عشر عاما يدير المدرسة الثانوية بالمنسية لم ير احد دموعه الا مرتين (يوم وفاة ست الدار ام كلنكيت) ويوم (تخريج احمد عبدالمجيد الامام ود ختم). 


ثم اعلنت ادارة الجامعة تعيين احمد معيداً بالكلية

وهنا تبدأ صفحة جديدة في المنسية. 


نواصل


#اتحاد_مغردي_السودان 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Adbox